سورة الأحقاف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)}
{وَلَقَدْ مكناهم} أي قررنا عادًا وأقدرناهم، و{مَا} في قوله تعالى: {فِيمَا إِن مكناهم فِيهِ} موصولة أو موصوفة و{ءانٍ} نافية أي في الذي أوفى شيء ما مكنا فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم فِى الارض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} [الأنعام: 6] ولم يكن النفي بلفظ {مَا} كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى، ولذا قال من ذهب إلى أن أصل مهما ماما على أن ما الشرطية مكررة للتأكيد قلبت الألف الأولى هاء فرارًا من كراهة التكرار، وعابوا على المتنبي قوله:
لعمرك ماما بان لضارب *** بأقتل مما بان منك لعائب
أي ما الذي بان الخ، يريد لسانه لا يتقاعد عن سنانه هذا للعائب وذلك للضارب، وكان يسعه أن يقول: إن مابان، وادخال الباء للنفي لا للعمل على أن اعمال إن قد جاء عن المبرد، قيل: {ءانٍ} شرطية محذوفة الجواب والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم، وقيل: إنها صلة بعدما الموصولة تشبيهًا بما النافية وما التوقيتية، فهي في الآية مثلها في قوله:
يرجى المرىء ما أن لا يراه *** وتعرض دون أدناه الخطوب
أي مكناهم في مثل الذي مكناكم فيه، وكونها نافية هو الوجه لأن القرآن العظيم يدل عليه في مواضع وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث على الاعتبار {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ويداوموا على شكره جل شأنه {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل {وَلاَ أبصارهم} حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المرسومة في صحائف العالم {وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى: {مِن شَىْء} أي شيئًا من الإغناء، و{مِنْ} مزيدة للتوكيد والتنوين للتقليل.
وجوز أن تكون تبعيضية أي ما أغنى بعض الإغناء وهو القليل، و{مَا} في {مَا أغنى} نافية وجوز كونها استفهامية. وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة {مِنْ} في الواجب وهو لا يجوز على الصحيح. ورد بأنهم قالوا: تزاد في غير الموجب وفسروه بالنفي والنهي والاستفهام، وإفراد السمع في النظم الجليل وجمع غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات وتعدد مدركات غيره أو لأنه في الأصل مصدر، وأيضًا مسموعهم من الرسل متحد.
{وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم} ظرف متعلق بالنفي الصريح أو الضمني في قوله تعالى: {مَا أغنى} وهو ظرف أريد به التعليل كناية أو مجازًا لاستواء مئدى الظرف والتعليل في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه، وهذا مما غلب في إذ وحيث من بين سائر الظروف حتى كاد يلحق عانيهما الوضعية {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون: {فَأْتِنَا بما تَعِدُنَا إِن كُنَّا مِن *الصادقين} [الأحقاف: 22].


{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا} مَا حَوْلَكُمْ يا أهل مكة {مّنَ القرى} كحجر ثمود وقرى قوم صالح، والكلام بتقدير مضاف أو تجوز بالقرى عن أهلها لقوله تعالى: {وَصَرَّفْنَا الايات} أي كررناها {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وأمر {مَا} سهل، والترجي مصروف لغيره تعالى أو {لَعَلَّ} للتعليل أي لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي إلى الايمان والطاعة.


{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ} فهلا منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه {الذين اتخذوا} أي آلهتهم الذين اتخذوهم.
{مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءالِهَةَ} والضمير الذي قدرناه عائدًا هو المفعول الأول لاتخذوا و{ءالِهَةً} هو المفعول الثاني و{قُرْبَانًا} عنى متقربًا بها حال أي اتخذوهم آلهة من دون الله حال كونها متقربًا بها إلى الله عز وجل حيث كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] و{هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] وفي الكلام تهكم بهم.
وأجاز الحوفي كون {قُرْبَانًا} مفعولًا من أجله، وأجاز هو أيضًا. وابن عطية. ومكي. وأبو البقاء كونه المفعول الثاني لاتخذوا وجعل {ءالِهَةً} بدلًا منه، وقال في الكشاف: لا يصح ذلك لفساد المعنى، ونقل عنه في بيانه أنه لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله لأن الله تعالى لا يتقرب به، وأراد كما في الكشف أنه إذا جعل مفعولًا ثانيًا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانًا بدل الله تعالى أو متجاوزين عن أخذه تعالى قربانًا إليهم وهو معنى فاسد. واعترض عليه بجعل {دُونِ} عنى قدام كما قيل به في قوله تعالى: {وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله} [البقرة: 23] وبأنه قد قيل: إن قربانًا مفعول له فهو غير مختص بالمتقرب به، وجاز أن يطلق على المتقرب إليه وحينئذ يلتئم الكلام. وأجيب عن الأول بأنه غير قادح لأنه مع نزارة استعمال دون عنى قدام لا يصلح ظرف الاتخاذ لأنه ليس بين يدي الله تعالى وإنما التقرب بين يديه تعالى ولأجله سبحانه، واتخاذهم قربانًا ليس التقرب به لأن معناه تعظيمهم بالعبادة ليشفعوا بين يدي الله عز وجل ويقربوهم إليه سبحانه، فزمان الاتخاذ ليس زمان التقرب البتة، وحينئذ إن كان مستقرًا حالًا لزم ما لزم في الأول.
ولا يجوز أن يكون معمول {قُرْبَانًا} لأنه اسم جامد عنى ما يتقرب به فلا يصلح عاملًا كالقارورة وإن كان فيها معنى القراء، وفيه نظر. وأجيب عن الثاني بأن الزمخشري بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أن قوله تعالى بعد. {بَلْ ضَلُّواْ} إلخ ينادي على فساد ذلك أرفع النداء، وقال بعضهم في امتناع كون {قُرْبَانًا} مفعولًا ثانيًا و{ءالِهَةً} بدلًا منه: إن البدل وإن كان هو المقصود لكن لابد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا صحة لقولهم: اتخذوهم من دون الله قربانًا أي ما يتقرب به لأن الله تعالى لا يتقرب به بل يتقرب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانًا متجاوزين الله تعالى في ذلك، وجنح بعضهم إلى أنه يصح أن يقال: الله تعالى يتقرب به أي برضاه تعالى والتوسل به جل وعلا.
وقال الطيبي. إن الزمخشري لم يرد بفساد المعنى إلا خلاف المعنى المقصود إذ لم يكن قصدهم في اتخاذهم الأصنام آلهة على زعمهم إلا أن يتقربوا بها إلى الله تعالى كما نطقت به الآيات فتأمل.
وقرىء {قُرْبَانًا} بضم الراء {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابوا عنهم، وفيه تهكم بهم أيضًا كأن عدم نصرهم لغيبتهم أو ضاعوا عنهم أي ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقد امتنع نصرهم الذي كانوا يؤملونه امتناع نصر الغائب عن المنصور {وَذَلِكَ} أي ضلال آلهتهم عنهم {إِفْكِهِمْ} أي أثر إفكهم أي صرفهم عن الحق واتخاذهم إياها آلهة ونتيجة شركهم {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي وأثر افترائهم وكذبهم على الله تعالى أو أثر ما كانوا يفترونه على الله عز وجل، وقيل: ذلك إشارة إلى اتخاذ الأصنام آلهة أي ذلك الاتخاذ الذي أثره ضلال آلهتهم عنهم كذبهم وافتراؤهم أو والذي كانوا يفترونه وليس بذاك وإن لم يحوج إلى تقدير مضاف. وقرأ ابن عباس في رواية {إِفْكِهِمْ} بفتح الهمزة والإفك والأفك مصدران كالحذر والحذر. وقرأ ابن الزبير والصباح بن العلاء الأنصاري. وأبو عياض. وعكرمة. وحنظلة بن النعمان بن مرة. ومجاهد وهي رواية عن ابن عباس أيضًا {إِفْكِهِمْ} بثلاث فتحات على أن إفك فعل ماض وحينئذ الإشارة إلى الاتخاذ أي ذلك الاتخاذ صرفهم عن الحق، {وَمَا كَانُواْ} قيل عطف على ذلك أو على الضمير المستتر وحسن للفصل أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي كذلك، والجملة حينئذ معطوفة على الجملة قبلها.
وأبو عياض. وعكرمة أيضًا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير، وابن الزبير أيضًا. وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه {إِفْكِهِمْ} بالمد فاحتمل أن يكون فاعل فالهمزة أصلية وأن يكون أفعل والهمزة للتعدية أي جعلهم يأفكون؛ وجوز أن تكون للوجدان كأحمدته وأن يكون أفعل عنى فعل، وحكى في البحر أنه قرئ {إِفْكِهِمْ} بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف وهي لغة في الإفك. وقرأ ابن عباس فيما روى قطرب. وأبو الفضل الرازي {إِفْكِهِمْ} اسم فاعل من إفك أي وذلك الاتخاذ صارفهم عن الحق. وقرئ {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ مّمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} والمعنى ذلك بعض ما يفترون من الإفك أي بعض أكاذيبهم المفتريات فالافك عنى الاختلاق فلا تغفل.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12